ج2 دورة الاحتفال بالمولد النبوي
اعداد : هند الشطب - زايده الزهراني - رحاب الهدى محمد
المحور الثاني : رد جواز الشبهات في المولد النبوي
*حكم الاحتفال بالمولد والرد على من أجازه
فإن مما أحدث بعد القرون المشهود لها بالخير بدعة الاحتفال
بالمولد النبوي،
وأوردوا في هذا بعض الشبهات منها.
أولا: دعوى تلقي الأمم الإسلامية هذا الاحتفال بالقبول منذ مئات
السنين.
الثاني: تقسيم العز بن عبد السلام البدعة إلى أحكام الشريعة
الخمسة
الثالث: قول عمر بن الخطاب في صلاة التراويح:
(نعمت البدعة هذه).
الرابع: قول عمر بن عبد العزيز:
(تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور).
الخامس: دعوى الكاتب: أن في إقامة الاحتفال بالمولد صون
عرض المملكة العربية السعودية عن أن تنسب إلى تنقص النبي
صلى الله عليه وسلم، الذي كان يذاع عنها تنقصه وإحراق كتب
الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.
*الرد عل هذه الشبهات.
فلهذا وجب نقض هذه الشبه هذه أولاً، وبيان حكم المولد ثانياً.
*الرد على الشبهة الأولى.
أن الاحتفال بذكرى المولد النبوي- وإن كان بدعة- فقد تلقته الأمة
بالقبول، فمن أقوى الأدلة على جهالته؛ لأمور:
أحدها: أن الأمة معصومة من الاجتماع على ضلالة،
والبدعة في الدين بنص الأحاديث النبوية ضلالة،
الثاني: أن الاحتجاج على تحسين البدع بهذه الدعوى ليس بشيء
في أمر تركته القرون الثلاثة المقتدى بهم،
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في
(اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم):
"من اعتقد أن أكثر هذه العادات المخالفة للسنن مجمع عليها،
بناءً على أن الأمة أقرتها ولم تنكرها، فهو مخطئ في هذا الاعتقاد،
فإنه لم يزل في كل وقت من ينهى عن عامة العادات المستحدثة
المخالفة للسنة".
وقال: "ولا يجوز دعوى إجماع بعمل بلد أو بلاد من بلدان المسلمين
، فكيف بعمل بعض الطوائف.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (الاقتضاء):
"ما أكثر ما قد يحتج بعض من يتميز من المنتسبين إلى علم أو
عبادة بحجج ليست من أصول العلم التي يعتمد في الدين عليها".
وذكر أن التعلق في تحسين البدع بما عليه الكثير من الناس إنما يقع
ممن لم يحكم أصول العلم؛ فإنه هو الذي يجعل ما اعتاده هو
ومن يعرفه إجماعاً، وإن لم يعلم قول سائر المسلمين في ذلك
ويستنكر تركه.
الأمر الثالث: ما سنذكره عن علماء المسلمين من احتواء الاحتفال
بالمولد على المحرمات.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (الاقتضاء):
"لا يحل لأحد أن يقابل هذه الكلمة الجامعة من رسول الله
صلى الله عليه وسلم الكلية، وهي قوله: {كل بدعة ضلالة}
بسلب عمومها فيقول أن هناك بدع حسنة.
*الرد على الشبهة الثانية.
وأما استدلال على أن البدعة في الدين تكون حسنة بقول عمر
بن الخطاب رضي الله عنه في صلاة التراويح: (نعمت البدعة هذه)
فاستدلال ليس في محله، فإن عمر لم يقصد بذلك تحسين البدعة
في الدين.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (اقتضاء الصراط المستقيم):
أما قول عمر: (نعمت البدعة هذه)،
أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك بدعةً، مع حسنها، وهذه تسمية
لغوية لا تسمية شرعية، وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل ما فعل
ابتداءً من غير مثال سابق، وأما البدعة الشرعية؛ فكل ما لم يدل
عليه دليل شرعي".
فالنبي صلى الله عليه وسلم كانوا يصلون قيام رمضان على عهده
جماعة وفرادى، وقد قال لهم في الليلة الثالثة أو الرابعة لما اجتمعوا
: {إنه لم يمنعني أن أخرج إليكم إلا كراهة أن يفرض عليكم، فصلوا
في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة}،
فعلل صلى الله عليه وسلم عدم الخروج بخشية الافتراض
وقال شيخ الإسلام أيضاً في (الاقتضاء):
"أما صلاة التراويح فليست بدعةً في الشريعة،
بل هي سنة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله،
فإنه قال: (إن الله فرض عليكم صيام رمضان، وسننت لكم قيامه)،
ولا صلاتها جماعةً بدعة؛ بل هي سنة في الشريعة، بل قد صلاها
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجماعة في أول شهر رمضان
ليلتين، بل ثلاثاً. وصلاها أيضاً في العشر الأواخر في جماعة
مرات، وقال: (إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب
له قيام ليلة)، لما قام بهم حتى خشوا أن يفوتهم الفلاح.
رواه أهل السنن، وبهذا الحديث احتج أحمد وغيره على أن فعلها
في الجماعة أفضل من فعلها في حال الانفراد.
*الرد على الشبهة الثالثة.
وأما استدلال على استحسان الابتداع في الدين بما عزاه إلى عمر
بن عبد العزيز أنه قال: "تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من
الفجور" يقصد الشنقيطي بذلك: القياس، أي: فكذلك تحدث لهم
مرغبات في الخير بقدر ما أحدثوا من الفتور.
فقد أجاب الإمام الشاطبي في (الاعتصام) عن هذا الاستدلال بأمور:
أولها: أن هذا قياس في مقابلة النص الثابت في النهي عن الابتداع،
وهو من باب فساد الاعتبار.
الثاني: أن هذا قياس على نص لم يثبت بعد من طريق مرضي.
الثالث: أن هذا الكلام على فرض ثبوته عن عمر بن عبد العزيز،
لا يجوز قياس إحداث العبادات عليه؛ لأن كلام عمر إنما هو في
معنى عادي يختلف فيه مناط الحكم الثابت فيما تقدم؛
الرابع: أن هذا القياس مخالف لأصل شرعي، وهو طلب النبي
صلى الله عليه وسلم السهولة والرفق والتيسير وعدم التشديد،
فزيادة وظيفة لم تشرع تظهر ويعمل بها دائماً في مواطن السنن،
هي تشديد بلا شك، فليس قصد عمر بن عبد العزيز بهذا الكلام
-على فرض ثبوته عنه- فتح السبيل إلى إحداث البدع"."
ومن هذه النقول يعلم أن عمر بن عبد العزيز لم يقصد بهذه الكلمة
فتح أي باب يناقض الشريعة، وكيف ينسب إلى عمر بن عبد العزيز
فتح باب الابتداع في الدين، وهو الذي يقول حينما بايعه الناس
بعدما صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه: "يا أيها الناس!
إنه ليس بعد نبيكم نبي، ولا بعد كتابكم كتاب، ولا بعد سنتكم سنة،
ولا بعد أمتكم أمة، ألا وإن الحلال ما أحله الله في كتابه على لسان
نبيه حلال إلى يوم القيامة، ألا وإن الحرام ما حرم الله في كتابه
على لسان نبيه حرام إلى يوم القيامة، ألا وإني لست بمبتدع
ولكني متبع".
*الرد على الشبهة الرابعة.
وأما دعوى الشنقيطي: أن عدم احتفال المملكة السعودية بالمولد
النبوي يعرضها إلى أن تُـنسب من قبل الدول الأخرى إلى تنقص
الرسول صلى الله عليه وسلم وازدرائه، حيث تحتفل بغيره
ولا تحتفل لمولده، ويذاع عنها ذلك، كما يذاع عنها أنها تحرق
كتب الصلاة عليه؛ فهذا من عندياته، وذلك لأمور:
أحدها: أن الحكومات الإسلامية كلها تعترف للحكومة السعودية
بتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم، مع علمها بأنها لا تحتفل
بالمولد النبوي مخافة من الابتداع، وأقرب شاهد في زماننا هذا
على ذلك إقبال وفودها على المؤتمر الإسلامي الذي يعقد بمكة،
فإنه لا يتصور ذلك الإقبال الشديد على من يتهم برسول الله،
وكان يذكر أن ما ينسب إليه من إحراق كتب الصلاة على النبي
صلى الله عليه وسلم ليس له أصل، إلا أنه نصح بعض من يتعلق
بكتاب (دلائل الخيرات) بأنه لا يصير هذا الكتاب أجل في قلبه
من كتاب الله، فيظن أن القراءة فيه أنفع من قراءة القرآن،
ورغم هذه الافتراءات أبى الله إلا أن يظهر الحق ويبطل الباطل،
ويعلي الدعوة التي حاول أولئك المبطلون التنفير عنها بمثل تلك
الإشاعات الباطلة.
الثاني: أن القائل بأن تارك الاحتفال بالمولد متنقص للنبي صلى الله
عليه وسلم، إن أراد بقوله هذا أن ذلك اعتقاد التارك، فقد كذب
وافترى، وإن أراد أن ذلك تنقيص للنبي صلى الله عليه وسلم
عما يستحقه شرعاً، فالمرجع في ذلك إلى الكتاب والسنة،
وما عليه القرون المشهود لها بالخير، فنحاكم كل من يطالبنا بهذا
إلى ذلك، فإن جاء بدليل صحيح صريح، وإلا فنحن مستمسكون
بقول النبي صلى الله عليه وسلم: {كل بدعة ضلالة}،
وبما روى أبو داود في سننه، عن حذيفة رضي الله عنه قال:
{كل عبادة لا يتعبدها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
فلا تعبدوها، فإن الأول لم يترك للآخر مقالاً}،
ولا نصون أعراضنا في الدنيا بالتقرب إلى الله تعالى بما لم يشرعه.
الثالث: أن أكثر ما يقصد من تلك الاحتفالات التي تقام للرؤساء
إحياء الذكرى، والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال الله في حقه:
((وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ))]الانشراح:4[،
فذكره مرفوع في الأذان والإقامة والخطب والصلوات،
وفي التشهد والصلاة عليه، وفي قراءة الحديث،
واتباع ما جاء به، فهو أجل من أن تكون ذكراه سنوية فقط،
ولكن الأمر كما قال السيد رشيد رضا في كتابه
(ذكرى المولد النبوي) قال:
"إن من طباع البشر أن يبالغوا في مظاهر تعظيم أئمة الدين
أو الدنيا في طور ضعفهم- أي البشر- في أمر الدين أو الدنيا؛
لأن هذا التعظيم لا مشقة فيه على النفس، فيجعلونه بدلاً مما يجب
عليهم من الأعمال الشاقة التي يقوم بها أمر الدين أو الدنيا،
وإنما التعظيم الحقيقي بطاعة المعظم، والنصح له، والقيام بالأعمال
التي يقوم بها أمره ويعتز دينه إن كان رسولاً، وملكه إن كان ملكاً،
وقد كان السلف الصالح أشد ممن بعدهم تعظيماً للنبي
صلى الله عليه وسلم ثم للخلفاء، وناهيك ببذل أموالهم وأنفسهم في
هذا السبيل، ولكنهم دون أهل هذه القرون التي ضاع فيها الدين في
مظاهر التعظيم اللساني، ولاشك أن الرسول الأعظم صلى الله
وسلم أحق الخلق بكل تعظيم،
وليس من التعظيم الحق له أن نبتدع في دينه بزيادة أو نقص
أو تبديل أو تغيير لأجل تعظيمه به، وحسن النية لا يبيح الابتداع
في الدين، فقد كان جل ما أحدث أهل الملل قبلنا من التغيير
في دينهم عن حسن نية، ومازالوا يبتدعون بقصد التعظيم
وحسن النية؛ حتى صارت أديانهم غير ما جاءت به رسلهم،
ولو تساهل سلفنا الصالح كما تساهلوا، وكما تساهل الخلف
الذين اتبعوا سننهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع؛
لضاع أصل ديننا أيضاً، ولكن السلف الصالح حفظوا لنا الأصل،
فالواجب علينا أن نرجع إليه ونعض عليه بالنواجذ" اهـ.
هذا مع أن الاحتفال بالمولد النبوي إذا كان بطريق القياس على
الاحتفالات بالرؤساء، صار أي: النبي صلى الله عليه وسلم ملحقاً
بغيره وهذا ما لا يرضاه عاقل.
بيان وتوضيح ( حكم الاحتفال بالمولد النبوي)
حكم المولد:
قسم العلماء الاجتماع الذي يعمل في ربيع الأول
ويسمى باسم: المولد إلى قسمين:
أحدهما: ما خلا من المحرمات فهو بدعة لها حكم غيرها من البدع،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (الفتاوى الكبرى):
"أما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر
ربيع الأول التي يقال: إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي شهر رجب،
أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال
الذي يسميه الجهال: عيد الأبرار-
فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف الصالح ولم يفعلوها".
وقال العلامة تاج الدين عمر بن علي اللخمي الإسكندراني المشهور
بـ(الفاكهاني) في رسالته في المولد المسماة
بـ(المورد في عمل المولد):
"لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن
أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار
المتقدمين، بل هو بِدعة أحدثها البطالون، وشهوة نفسٍ اغتنى بها
الأكالون،
بدليل أنَّا إذا أدرنا عليه الأحكام الخمسة قلنا:
إما أن يكون واجباً، أو مندوباً، أو مباحاً، أو مكروهاً، أو محرماً.
وهو ليس بواجب إجماعاً، ولا مندوباً؛
لأن حقيقة الندب: ما طلبه الشرع من غير ذم على تركه،
وهذا لم يأذن فيه الشرع، ولا فعله الصحابة، ولا التابعون
ولا العلماء المتدينون -فيما علمت- وهذا جوابي عنه بين يدي الله
إن عنه سئلت.
ولا جائز أن يكون مباحاً؛ لأن الابتداع في الدين ليس مباحاً بإجماع
المسلمين. فلم يبق إلا أن يكون مكروهاً، أو حراماً".
وأما القسم الثاني من عمل المولد: وهو المحتوي على المحرمات،
فهذا قد منعه العلماء وبسطوا القول فيه، وإليك بعض عباراتهم في
ذلك:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في فتوى له: "فأما الاجتماع في عمل
المولد على غناء ورقص ونحو ذلك واتخاذه عبادة، فلا يرتاب أحد
من أهل العلم والإيمان في أن هذا من المنكرات التي ينهى عنها،
ولا يستحب ذلك إلا جاهل .
قال الفاكهاني: "ولقد أحسن أبو عمرو بن العلاء حيث يقول:
لا يزال الناس بخير ما تعجب من العجب. هذا مع أن الشهر الذي
ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم -وهو ربيع الأول-
هو بعينه الذي توفي فيه، فليس الفرح بأولى من الحزن فيه،
وهذا ما علينا أن نقول، ومن الله تعالى نرجو حسن القبول".
وقد ذكر ابن الحاج في (المدخل) مما احتوى عليه الاحتفال بالمولد
في زمانه- فكيف بزماننا هذا
ما يلي:
1- استعمال الأغاني وآلات الطرب من الطارالمصرصروالشبابة
وغير ذلك.
قال ابن الحاج: "مضوا في ذلك على العوائد الذميمة في كونهم
يشتغلون في أكثرالأزمنة التي فضلها الله وعظمها ببدع ومحرمات"
وذكر ابن الحاج قول القائل:
يا عصبةً ما ضر أمة أحمد وسعى إلى إفسادها إلا هي
طار ومزمار ونغمة شادنٍ أرأيت قـط عبادة بملاهي
2- قلة احترام كتاب الله عز وجل، فإنهم يجمعون في هذه
الاحتفالات بينه وبين الأغاني، ويبتدئون به قصدهم الأغاني.
قال ابن الحاج: "ولذلك نرى بعض السامعين إذا طول القارئ
القراءة يتقلقلون منه؛ لكونه طول عليهم ولم يسكت حتى يشتغلوا
بما يحبونه من اللهو"،
وقال: "وهذا خلاف اهل الحق لأنهم يحبون سماع كلام مولاهم؛
لقوله تعالى في مدحهم:
((وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ
مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ))
المائدة:8
وبعض هؤلاء يستعملون الضد من ذلك،
فإذا سمعوا كلام ربهم عز وجل قاموا بعده إلى الرقص
والفرح والسرور والطرب بما لا ينبغي،
فإنا لله وإنا إليه راجعون على عدم الاستحياء من عمل الذنوب
يعملون أعمال الشيطان، ويطلبون الأجر من رب العالمين
ويزعمون أنهم في تعبد وخير".
3- الافتتان بالمردان؛ فإن الذي يغني في الاحتفالات ربما يكون
شاباً نظيف الصورة، حسن الكسوة الهيئة، أو أحداً من الجماعة
الذين يتصنعون في رقصهم، بل يتمالك ويتعانقون فقد يقع في
نفس البعض
عشقهم وطلبهم.
قال ابن الحاج: "وبعض النسوة يعاين ذلك على ما قد علم من
نظرهن من السطوح والطاقات وغير ذلك؛ فيرينه وسمعنه
وهن أرق قلوباً وأقل عقولاً فتقع الفتنة في الفريقين".
هذا بعض ما ذكره ابن الحاج من المحرمات التي تحصل
في احتفال الرجال بالمولد.
ذكر المفاسد التي تقع في الاحتفالات.
من المفاسد المتعلقة بالنساء ما يلي:
1- افتتان الرجال بالنساء؛ لأن بعض الرجال يتطلع عليهن من
بعض الطاقات والسطوح، وتزداد الفتنة برفع أصواتهن،
وتصفيقهن بالأكف، وغير ذلك مما يكون سبباً إلى وقوع المفسدة
العظمى.
2- افتتانهن في الاعتقاد؛ وذلك لأنهن لا يحضرن للمولد
إلا ومعهن شيخه تتكلم في كتاب الله وفي قصص الأنبياء بما
لا يليق، فربما تقع في الكفر الصريح وهي لا تشعر؛
لأنها لا تعرف الصحيح من السقيم، والحق من الكذب،
فتدخل النسوة في الغالب وهن مؤمنات، ويخرجن
وهن مفتتنات في الاعتقاد أو فروع الدين.
3- خروج النساء إلى المقابر، وارتكاب أنواع المحرمات
هناك من الاختلاط وغيره، ويذكر ابن الحاج:
أن هذه المفسدة من آثار بناء البيوت على المقابر
قال: "إذ لو امتثلنا أمر الشرع في هدمها لانسدت
هذه المثالم كلها وكفي الناس أمرها"،
قال: "فبسبب ما هناك من البنيان والمساكن؛
وجد من لا خير فيه السبيل إلى حصول أغراضه الخسيسة
ومخالفة الشرع".
4- فتح باب الخروج لهن لغير ضرورة شرعية؛ فإنهم- أي:
أهل زمانه- ضموا لأيام المولد النبوي الثلاثة يوم الإثنين
لزيارة الحسين، وجعلوا يوم الأربعاء لزيارة نفيسة،
فالتزمن الزيارة في تلك الأيام لما يقصدن من أغراض الله أعلم بها.
قال ابن الحاج: "ولو حكي هذا عن الرجال لكان فيه شناعة
وقبح، فكيف به في النساء؟! فإنا لله وإنا إليه راجعون!"
قال ابن الحاج بعد بسط الكلام على هذه المفاسد:
"هذا الذي ذكر بعض المفاسد المشهورة المعروفة،
وما في ذلك من الدسائس ودخول وساوس النفوس وشياطين الإنس
والجن مما يتعذر حصره، فالسعيد السعيد من أعطى قياده للاتباع
وترك الابتداع، وفقنا الله لذلك بمنه".
وقد ذكر ابن حجر الهيتمي في (الفتاوى الحديثية):
أن الموالد التي تفعل عندهم في زمنه أكثرها مشتمل على شرور
لو لم يكن منها إلا رؤية النساء الرجال الأجانب لكفى ذلك
في المنع، وذكر أن ما يوجد في تلك الموالد من الخير
لا يبررها ما دامت كذلك؛ للقاعدة المشهورة المقررة:
أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
قال: "فمن علم وقوع شيء من الشر فيما يفعله من ذلك فهو عاص
آثم، وبفرض أنه عمل في ذلك خيراً فربما خيره لا يساوي شره،
ألا ترى أن الشارع صلى الله عليه وسلم اكتفى من الخير بما تيسر،
وفطم جميع أنواع الشر، حيث قال:
{إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء
فاجتنبوه}،
فتأمله تعلم ما قررته من أن الشر وإن قلَّ لا يرخص في شيء منه،
والخير يكتفى منه بما تيسر.
هذا ما ذكره أهل العلم في بحث الاحتفال بالمولد النبوي.
الرد على الشبهة الخامسة.
الرد على من يقول: إن شيخ الإسلام ابن تيمية يرى جوازالاحتفال.
نشرت جريدة (الندوة) في العدد الصادر
يوم السبت (16/4/1382هـ)
للشنقيطي محمد مصطفى العلوي
في تبرير الاحتفال بالمولد النبوي
مقالاً آخر تحت عنوان:
(هذا ما يقوله ابن تيمية في الاحتفال المشروع بذكرى المولدالنبوي)
، مضمون ذلك المقال:
أن شيخ الإسلام ابن تيمية يرى الاحتفال بالمولد النبوي،
واعتمد الشنقيطي في تلك الدعوى على ثلاثة أمور:
1- قول شيخ الإسلام في (اقتضاء الصراط)
في بحث المولد: "فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض
الناس ويكون له فيه أجر عظيم؛ لحسن قصده وتعظيمه لرسول
الله صلى الله عليه وسلم، كما قدمت أنه يستحسن من بعض الناس
ما يستقبح من المؤمن المسدد".
2- قول شيخ الإسلام في (الاقتضاء) أيضاً:
"إذا رأيت من يفعل هذا -أي المنكر- ولا يتركه إلا إلى شر منه،
فلا تدع إلى ترك منكر بفعل ما هو أنكر، أو بترك واجب
أو مندوب تركه أضر من فعل ذلك .
3- دعوى أن شيخ الإسلام ابن تيمية لا ينكر الابتداع في تعظيم
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويذكر الشنقيطي أن أكبر شاهد
على ذلك تأليفه كتاب (الصارم المسلول).
هذا ما ذكره الشنقيطي مما برر به هذه الدعوى الباطلة.
والحق أنه إنما أُتي من سوء فهم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية
وسيرته، وفي نوع ما وقع فيه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية
في كتاب (الاستغاثة): "الوهم إذا كان لسوء فهم المستمع لا لتفريط
المتكلم، لم يكن على المتكلم بذلك باس، ولا يشترط في العلماء
إذا تكلموا في العلم أن لا يتوهم متوهم من ألفاظهم خلاف مرادهم،
بل ما زال الناس يتوهمون من أقوال الناس خلاف مرادهم"،
وهذا هو عين ما وقع للشنقيطي في عبارات شيخ الإسلام ابن تيمية
فقد تكلم عنها بسوء فهم منه.
بيان الرد على هذا ما يلي:
أما قول شيخ الإسلام: "فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله
بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم؛ لحسن قصده وتعظيمه
لرسول الله صلى الله عليه وسلم"، فليس فيه إلا الإثابة على حسن
القصد، وهي لا تستلزم مشروعية العمل الناشئة عنه؛
ولذلك ذكر شيخ الإسلام أن هذا العمل -أي:
الاحتفال بالمولد- يستقبح من المؤمن المسدد،
ولكن الشنقيطي أخذ أول العبارة دون تأمل في آخرها،
وفي أول بحث المولد في (اقتضاء الصراط المستقيم)
قد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الذين يتخذون المولد عيداً
محبة للنبي صلى الله عليه وسلم (ص:294، 295):
"والله تعالى قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد، لا على البدع من
اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيداً، مع اختلاف الناس في
مولده، فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي وعدم المانع منه،
ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم
أحق به منا؛ فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وتعظيماً له .
فهذا تصريح من شيخ الإسلام بأن إثابة من يتخذ المولد عيداً محبة
للنبي صلى الله عليه وسلم من ناحية قصده، لا تقتضي مشروعية
اتخاذ المولد عيداً ولا كونه خيراً، إذ لو كان خيراً محضاً أو راجحاً
لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا؛ لأنهم أشد محبة وتعظيماً
لرسول الله منا.
وقال شيخ الإسلام في (الاقتضاء ص:317):
"من كانت له نية صالحة أثيب على نيته، وإن كان الفعل الذي فعله
ليس بمشروع إذا لم يتعمد مخالفة .
كما صرح في كلامه على مراتب الأعمال بأن العمل الذي يرجع
صلاحه لمجرد حسن القصد ليس طريقة السلف الصالح،
وإنما ابتلي به كثير من المتأخرين،
وأما السلف الصالح فاعتناؤهم بالعمل الصالح المشروع
الذي لا كراهة فيه بوجه من الوجوه، وهو العمل الذي تشهد له سنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال:
"وهذا هو الذي يجب تعلمه وتعليمه، والأمر به على حسب
مقتضى الشريعة من إيجاب واستحباب".
أضف إلى هذا أن نفس كلام شيخ الإسلام:
(فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون له أجر
عظيم لحسن قصده..."
ومن الأدلة على عدم قصده تبرير الاحتفال بالمولد:
تصريحاته في كتبه الأُخر بمنعه، يقول في (الفتاوى الكبرى):
"أما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر
ربيع الأول التي يقال: إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب،
أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال
الذي يسميه الجهال: عيد الأبرار
فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف الصالح
وأما قول شيخ الإسلام:
"إذا رأيت من يعمل هذا -أي المنكر- ولا يتركه إلا إلى شر منه،
فلا تدع إلى ترك منكر بفعل ما هو أنكر منه، أو بترك واجب
أو مندوب تركه أضر من فعل ذلك المكروه".
فمن غرائب الشنقيطي الاستدلال به على مشروعية الاحتفال
بالمولد ما دام شيخ الإسلام يسمي ذلك منكراً، وإنما اعتبر
ما يترتب على محاولة إزالته من خشية الوقوع في أنكر منه عذراً
عن تلك المحاولة، من باب اعتبار مقادير المصالح والمفاسد،
وقد بسط شيخ الإسلام الكلام على هذا النوع في رسالته في
"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"،
ومن ضمن بحثه في ذلك قوله: "ومن هذا الباب ترك النبي
صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أبي بن سلول وأمثاله من أئمة
النفاق والفجور؛ لما لهم من أعوان.
ومن هذا يُعلم أن لا ملازمة بين ترك النهي عن الشيء لمانع
وبين إباحة ذلك الشيء كما تخيله الشنقيطي. وقد فاته أن هذه
العبارة التي نقلها عن شيخ الإسلام في عدم النهي عن المنكر
إذا ترتب عليه الوقوع في أنكر منه، لا تصلح جواباً لمن سأل
عن حكم الإنكار على من اتخذ المولد عيداً إذا ترتب على الإنكار
الوقوع في أنكر منه.
كما فاته أن ما ذكره وما عطفه عليها لا يعتبر مبرراً للابتداع،
فإن الباطل إنما يزال بالحق لا بالباطل.
أما ما يخص مسألة اتخاذ المولد النبوي عيداً بدعوى التعظيم،
فقد تقدم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية فيه:
إنه لم يفعله السلف مع قيام المقتضي وعدم المانع منه،
قال: "ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف
رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله
صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له منا،
وهم على الخير أحرص، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته
وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطناً وظاهراً،
ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان،
فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار
والذين اتبعوهم بإحسان" اهـ.
هذا وليت الشنقيطي فكر في تعذر الجمع بين الأمور التي استدل
بها على تبرير الاحتفال بالمولد،
فإن كون الشيء الواحد مشروعاً ومنكراً بدعة في آن واحد
لا يتصور، لكن من تكلم فيما لا يحسنه أتى بالعجائب!
هذا ما لزم بيانه وبالله التوفيق.
المناقشة (2)
س1: ضعي علامه صح او خطأ.
1..هل احتفل النبي صلى الله عليه وسلم بيوم مولده أو فعله أحد
من الصحابة.( ).
2..هل حسن المقصد دليل لتقبل البدعة ( )
س2..أذكري بعض المخالفات التي تقع في الاحتفال بالمولد.
(يكتفى بثلاث )
1-------
2--------
3----------
س3:كيف نرد على قول من قال إن الاحتفال بدعة حسنة
واستشهد بقول عمر بن الخطاب ( نعمة البدعة هي.)
الرد بأختصار.
س4: من قال إن الاحتفال بالمولد النبوي قد تلقته الامه بالقبول
نجيب عليهم انا الأمة لا تجتمع على.......
ولا يجوز أخذ الإجماع من فعل بعض ......
أو بعض.........